الجمعة، 15 أبريل 2011

سعيد بن جبير والحجاج ... القصة كاملة (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
سعيد بن جبير والحجاج ... القصة كاملة
الحلقة (1)
لماذا قررت أن أتناول هذا الموضوع الشائك الشيق بالكتابة والتحليل ؟
يوم الجمعة 25 مارس 2011م شاهدت في الفضائية السودانية أحد مشايخنا السودانيين في خطبة صلاة الجمعة يستشهد بالقصة المشهورة : قصة المشهد الأخير بين الحجاج بن يوسف الثقفي والعالم التابعي المشهور سعيد بن جبير وهو المشهد الذي انتهى بإعدام سعيد جبير.
لقد أثار حيرتي حقا إصرار العلماء والوعاظ على الاكتفاء بالاستشهاد المستمر بقصة المشهد الأخير بين الحجاج وسعيد بن جبير ، وهو حقا المشهد الأخير في علاقة بين الرجلين استمرت منذ عام 75 هـ حين صار الحجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق وانتهت بتلك المحاكمة التاريخية في يوم من أيام شعبان عام 95هـ
ولست وأنا الرجل المسلم العادي في مقام المعارضة لهؤلاء العلماء ، ولكن مما شك فيه أن قصة الحجاج وسعيد بن جبير تصلح حقا نموذجا للعلاقة بين العالم الفقيه ورجل السلطة التنفيذية  الذي يجد نفسه مطالبا بالحفاظ على الأمن القومي أو أمن الدولة.
تعالوا معي نستعرض قصة الحجاج وسعيد بن جبير من بدايتها حتى نهايتها  وفقا للتسلسل الزمني للأحداث.
وقبل أن أسترسل أوضح أني مسلم عادي جدا لا يملك من أدوات البحث سوى معرفته بتقنيات العصر وإدراكه أن نعم الله تعالى علينا لا تعد ولا تحصى ، ومنها أننا نعيش في عصر المعلومات بكل ما فيه من أدوات البحث عن المعلومة .
وأستعرض أمامكم الوقائع باستخدام برنامج الموسوعة الشاملة الذي أقول في كل مرة : جزى الله خيرا من قام بتصميمه وحشوه بكل هذه الآلاف من الكتب.
تبدأ القصة بين الرجلين ( الحجاج وسعيد بن جبير) منذ عام 10 هـ قبل مولد الحجاج بثلاثين عاما باستعراض الخلفيات الأسرية لرجل ثالث لا يمكننا فهم قصة الحجاج وسعيد بن جبير إلا بعد دخوله بينهما : رجل يدعى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.
ففي سنة 9 هـ - 10هـ أسلم الأشعث بن قيس الكندي جد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وروي أن قيس بن معدي 80 كرب أبا الأشعث بن قيس وبناءا على بعض المصادر كان يهوديا (المناقب المزيدية في أخبار الملوك) ، وكان الأشعث ملكا في قومه كثير المال عظيم الشرف.
في خلافة أبي بكر الصديق سنة 12 هـ  ارتد الأشعث بن قيس وصار مؤذنا للمتنبية سجاح بنت الحارث التميمية ثم عاد للإسلام معتذرا فقبل أبو بكر الصديق عودته وعفا عنه و زوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة ، وقيل أن أبي بكر الصديق عند موته عام 13 هـ ندم على عدم قتله للأشعث بن قيس وقال ( ....  فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شيئاً من الشر إلا أعان عليه) (تاريخ اليعقوبي)
وخلال سنوات الفتن والحروب بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان يبرز كثيرا اسم الأشعث بن قيس بصفته من أنصار علي بن أبي طالب ، وبعد التحكيم يبرز الأشعث بن قيس كصاحب مواقف مستقلة في كثير من الأحيان من علي بن أبي طالب لدرجة الإرهاق ، ولدرجة صار فيها من المتهمين في المشاركة في مؤامرة قتل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بواسطة عبد الرحمن بن ملجم.
ففي مقاتل الطالبيين : ...... في الليلة التي أراد فيها بعلي ما أراد، والأشعث في بعض نواحي المسجد. فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم - لعنه الله - النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر: قتلته يا أعور. وخرج مبادراً إلى علي وأسرج دابته وسبقه ابن ملجم - لعنه الله - فضرب علياً. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين.(مقاتل الطالبيين)
وفي نفس العام الذي قتل فيه سيدنا علي بن أبي طالب (40هـ) العام كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي (بغية الطلب في تاريخ حلب)
من أخت أبي بكر الصديق أنجب الأشعث بن قيس ابنه محمد ، وله ابنة أخرى هي الجعدة بنت الأشعث بن قيس تزوجها الحسن بن علي بن أبي طالب ، وحين مات الحسن عام 50 هـ اتهمت الجعدة بأنها قامت بتسميمه ، وهي تهمة ليس هنا مقام تأكيدها أو نفيها حتى لا نخرج عن مسارنا.
أما محمد بن الأشعث فقد صار من المقربين في الكوفة من الوالي عبيد الله بن زياد في الفترة التي شهدت مأساة كربلاء ومقتل الحسين بن علي عام 61 هـ ، وأنجب محمد بن الأشعث ابنه عبد الرحمن وهو الذي ستدور الأيام ويصير قائد أخطر تمرد ضد الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق وسيشاركه في ذلك التمرد : سعيد بن جبير .
في أواخر عام 60هـ والحسين بن علي بن أبي طالب يتأهب للسير إلى الكوفة ناويا الخروج على الأمويين أرسل رسولا يسبقه للكوفة لأخذ البيعة من أهل العراق وكان هذا الرسول ابن عمه مسلم بن عقيل ، وفي الكوفة وبعد أن بايع الآلاف من أهل الكوفة مسلم بن عقيل على نصرة الحسين ، استطاع والي الكوفة عبيد الله بن زياد القضاء على التحرك في مهده ، وأضطر مسلم بن عقيل للبحث عن مكان يتوارى فيه في انتظار فرصة يتسلل فيها خارجا من الكوفة حتى يذهب ويوقف موكب الحسين بن علي من التقدم للعراق .
ولكن استطاع عبيد الله بن زياد والي الكوفة اعتقال مسلم بن عقيل ، وكان الفضل في ذلك يعود إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
ويقص علينا صاحب مقاتل الطالبيين المشهد الذي أدى لاعتقال مسلم بن عقيل قائلا : ( وأقبل محمد بن الأشعث فقال ( عبيد الله بن زياد): مرحباً بمن لا يتهم ولا يستغش، وأقعده إلى جنبه.
وأصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى إلى أبيه وهو جالس، فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال (محمد بن الأشعث): أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة ، وألقي القبض على مسلم بن عقيل وقتل).(مقاتل الطالبيين) ، وكانت هذه الوشاية من أهم الأسباب التي أدت إلى النكبة التي حلت بالحسين وأهل بيته في كربلاء.
هذه هي بداية ظهور عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس والذي سنعلم لاحقا دوره في النكبة التي حلت بسعيد بن جبير على يد الحجاج.
ونواصل إن شاء الله تعالى
****************** 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق