الجمعة، 27 مايو 2011

سعيد بن جبير والحجاج ... القصة كاملة (2)

الحلقة (2)

عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث يواصل تأسيس شخصيته التصادمية

قتل الحسين بن علي في كربلاء في محرم سنة 61هـ ، وأوضحنا كيف أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لعب دورا في تلك الحادثة بكشفه مكان تواري مسلم بن عقيل مبعوث الحسين ، وهو دور لا يمكن تفسيره إلا في إطار السعي للحصول على مكانة له ولأبيه لدى والي العراق حينها عبيد الله بن زياد ، فالمتوقع منه كان عكس ذلك ، لأن جده الأشعث بن قيس كان من أنصار علي بن أبي طالب ، وعمته الجعدة بنت الأشعث كانت زوجة للحسن بن علي مهما تناولتها الألسن بعد موته عام 50 هـ .
موقف آخر يقودنا نحو فهم أعمق لشخصية عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
وهو موقفه حين قام وبعد انتهاء فتنة المختار والتي يسميها الشيعة ثورة المختار ، بتحريض مصعب بن الزبير على قتل المستسلمين من أصحاب المختار جميعا .
فمن تداعيات مقتل الحسين بن علي في كربلاء وهي كثيرة كانت ثورة المختار بن عبيد الثقفي وهي ثورة  أخرجت عبيد الله بن زياد من العراق .
وكان المختار الثقفي عقب وفاة الخليفة الأموي يزيد بن معاوية (64هـ) قد أعلن ثورة في العراق ضد بني أمية في محاولة لتأسيس دولة يدعي موالاتها لأهل البيت مدعيا تبعيته لمحمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب الذي كان كبير أهل بيت علي في ذلك الوقت.
سعى المختار لتأسيس دولته الجديدة اصطدم بمشروع خلافة أعلنه عبد الله بن الزبير بن العوام انطلاقا من مكة المكرمة بعد وفاة الخليفة الأموي يزيد بن معاوية وأرسل في سياقه أخيه مصعب بن الزبير واليا على العراق فكان الصدام حتميا بين الرجلين بينما ظل الخليفة مروان بن الحكم الأموي رابضا في دمشق ينتظر نتيجة الصدام بين الرجلين.
وفي تلك المرحلة نرى محمد بن الأشعث وولده عبد الرحمن ينحازان إلى جانب مصعب بن الزبير في حرب كان لا بد لها أن تنشب بين دولة عبد الله بن الزبير وعاصمتها مكة ومشروع دولة المختار التي تسعى لتأسيس نفسها انطلاقا من العراق.
وفي سنة 67 هـ قتل محمد بن الأشعث والد عبد الرحمن في قتال مصعب بن الزبير ضد المختار بن عبيد الله الثقفي ، و انتهت الحرب بانتصار مصعب بن الزبير ، وقتل المختار ، وبعد قتله المختار استسلم أصحابه لمصعب بن الزبير ، عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي من أشراف الكوفة والقادة الشجعان. اشترك مع مصعب بن الزبير في قتال المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقُتل والده في المعركة التي دارت بين الفريقين في حروراء (موضع بظاهر الكوفة تنسب إليه الحرورية من الخوارج[ر]) سنة 67هـوخرجوا إلى مصعب وأصحابه على حكمهم ، فأمر بهم فكتفوا وقدموا إلى مصعب.
تقدم قائد المستسلمين من أصحاب المختار بجير بن عبد الله المسلي مخاطبا مصعب بن الزبير فقال: ( الحمد لله الذي ابتلانا بالأسر ، وابتلاك ومن معك بأن تعفوا  وتقسطوا ، وهما منزلتان: إحداها لله رضى ، والأخرى له سخط ، ومن عفا عفا الله عنه ، ومن عاقب لم يأمن القصاص، يا ابن الزبير ! نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم ولسنا بالترك ولا بالديلم ، لم نعد أن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا، فأما أن نكون أصبنا و أخطئوا، وإما أن يكونوا أصابوا وأخطأنا، فاقتتلنا بيننا كما اقتتل أهل الشام واختلفوا ثم اجتمعوا، وكما اقتتل أهل البصرة ثم اصطلحوا واجتمعوا، وقد ملكتم فأسجحوا، وقدرتم فاعفوا) فما زال بجير بن عبد الله المسلي بهذا القول ونحوه حتى رق له الناس ورق له مصعب بن الزبير.
هنا وثب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال : ( قتل أبي وعمي وخالي وأشراف أهل مصري ثم نخلي سبيلهم، اخترنا أو اخترهم )، ووثب عدة فتكلموا بمثل كلامه، فلما رأى ذلك مصعب بن الزبير أمر بقتلهم.
هكذا قام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بإفشال ذلك العفو وتسبب في قيام مصعب بن الزبير في إعدام ما لا يقل عن أربع آلاف مستسلم .
ما سبق خلفيات ضرورية عن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس تساعدنا في فهم الشخصية التي ستقود يوما ما جيشا من أهم جيوش الجهاد التي جهزها الحجاج بالرجال والتمويل وارتبط بها سعيد بن جبير وتسببت في نكبته بدءا من عام 81هـ.
وبعد مقتل المختار جاء الدور على قتال آخر كان لا بد له أن يحدث وهو القتال على استعادة السيطرة على العراق من قبل الخلافة الأموية وعاصمتها دمشق وبين والي خلافة عبد الله بن الزبير وعاصمتها مكة ، وهو قتال انتهي بقتل مصعب بن الزبير في العراق وقتل عبد الله بن الزبير في مكة بواسطة الحجاج والذي صار بعده الحجاج واليا على مكة لمدة خمس أعوام جاء بعدها واليا على العراق عام 75 هـ
.
وهكذا التقت في الكوفة  سنة 75 هـ الشخصيات الثلاث : الحجاج بن يوسف الثقفي ، وسعيد بن جبير  وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
الأول بصفته واليا ، والثاني بصفته عالما محدثا والثالث لا نعرف له صفة غير أنه من أولاد البيوت المرموقة بمجتمع الكوفة وذلك من خلال الخلفيات التي سردناها عنه وهو بالتالي قريب من الوالي المعين من قبل الخليفة أيا كان هذا الخليفة و أيا كان هذا الوالي .
وفي الكوفة  والحجاج بن يوسف الثقفي يبدأ في مباشرة مسئولياته ، نستعرض علاقة الحجاج بن يوسف الثقفي بكل من سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
أولا : علاقة الحجاج بسعيد بن جبير وخلفيات عن سعيد بن جبير لا بد منها
سعيد بن جبير وعبد الله بن عباس (حبر الأمة)
ولد سعيد بن جبير سنة 45 هـ  ، واكتسب شهرته قديما وحديثا بصفته تلميذا نجيبا وملازما لعبد الله  بن عباس حبر الأمة وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن عبد الله بن عباس أكتسب سعيد بن جبير علمه وأهميته ، وإذا قام المرء اليوم باستخدام أية من أدوات المعلومات في عصرنا مثل الموسوعات الإلكترونية وأدخل فيها اسم سعيد بن جبير فسيحصل على نتائج بحث بالمئات عن مرويات سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في مختلف أبواب العلم : تفسير القرآن ، السنة ، السيرة ، وغيرها.
فيكفي على سبيل المثال أن تقوم بإدخال إسم سعيد بن جبير في موسوعة الحديث النبوي لتحصل على فوق الألف حديث نبوي في سندها في سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في أغلب الحالات
ولا نستطيع أن نحدد على وجه الدقة مدى التحق سعيد بن جبير ملازما لعبد الله بن عباس لكننا يمكن أن نقدر أن ذلك تم وعمره في حدود الخامسة عشرة عاما ، والذي يدعونا للاعتقاد بذلك هذه الرواية : عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس- وذلك قبل أن يخرج وجهي : أتزوجت يا ابن جبير؟ قلت: وما أريد ذلك يومي هذا. قال: أما إنه سيخرج ما كان في صلبك من المستودعين.(إتحاف الخيرة المهرة) ، وعبارة قبل أن يخرج وجهي تعني : قبل أن ينبت شعر لحيتي ، ولا يكون ذلك لمن هو أكثر من ستة عشرة من الأعوام والله أعلم .
توفي عبد الله بن عباس سنة 69هـ وكان عمر سعيد بن جبير حينها  25 عاما فقط ، أحذف منها سنوات الطفولة والصبا الباكر حتى 15 عاما مثلا (، ستجد أن سعيد بن جبير عاصر عبد الله بن عباس في سنوات الفهم والاستيعاب لمدة 10 سنوات تقريبا ، إلا أنه يلاحظ أن عبد الله بن عباس كان إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول أليس فيكم سعيد بن جبير (إسعاف المبطأ) ، وهذا يعني أن سعيد بن جبير انتقل في السنوات الأخيرة من عمر عبد الله بن عباس للكوفة ولم يعد مرافقا له.
إلا أن سعيد بن جبير حضر وفاة عبد الله بن عباس في الطائف ، فعن سعيد بن جبير قال : (مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على خلقته فدخل في نعشه ولم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)).(ذخائر العقبى)
وفي الكوفة حين حضرها الحجاج بن يوسف واليا سنة 75 هـ ، عامل الحجاج سعيد بن جبير معاملة محترمة وقربه إليه وحاول أن يخترق في سبيل ذلك تعصبا عروبيا كان فاشيا في مجتمع الكوفة يقف حجرة عثرة أمام سعيد بن جبير من احتلال مكانته العلمية التي يستحقها لا لشيء إلا لأنه كان أسود اللون حبشي الأصل ، فأراد تعيينه قاضيا للكوفة ولما رأى معارضة له قام بتعيينه مساعدا للقاضي وأوصى قاضي الكوفة ألا يقضي أمرا دون الأخذ برأيه.
وكان سعيد بن جبير يكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود حيث كان على قضاء الكوفة ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود كان قاضيا على الكوفة منذ فترة خلافة عبد الله بن الزبير التي امتدت لمدة تسع أعوام ، فها هو سعيد بن جبير يقص قائلا :( كنت جالساً عند عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكان ابن الزبير جعله على قضاء الكوفة  حتى إذ جاءه كتاب ابن الزبير: سلام عليك أما بعد. فإنك كتبت تسألني عن الجد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذاً من هذه الأمة خليلاً من دون ربي لاتخذت ابن أبي قحافة، ولكنه أخي في الدين وصاحبي في الغار، وجعل الجد أباً، فأحق من أخذنا به قول أبي بكر رضي الله عنه.)(مختصر تاريخ دمشق)
وهذا معناه أن بني أمية حين قضوا على خلافة عبد الله بن الزبير لم يغيروا في وظائف كبار المسئولين في الكوفة لمجرد أنهم شغلوها خلال فترة عبد الله بن الزبير ، ثم جاء الحجاج واليا فاستمر سعيد بن جبير على نفس الدرجة من الاحترام إلى أن قام الحجاج بتعيين أبى بردة بن أبى موسى قاضيا على الكوفة (الثقات لابن حبان) وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً ( عيون الأخبار)
وفي الحقيقة أن الحجاج أراد تعيين سعيد بن جبير قاضيا قبل ذلك ولكن واجهه الرفض المبني على العصبية كما ذكرنا آنفا ، فتلافاه بتعيين سعيد بن جبير مساعدا للقاضي بردة بن أبي موسى
ثم قام الحجاج بتقريب سعيد بن جبير وجعله من جلسائه ، ولا بد أن هذه المسألة لها قيمة معنوية كبيرة .
وسيأتي يوم عام 95هـ يقوم فيه الحجاج بتذكير سعيد بن جبير بكل هذه المعاملة.
هذا عن علاقة الحجاج بسعيد بن جبير عند بداية توليه لمنصب والي العراق بالكوفة ، فماذا عن علاقة الحجاج بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي البطل الخفي المنسي لمأساة سعيد بن جبير ؟

******************

الجمعة، 15 أبريل 2011

سعيد بن جبير والحجاج ... القصة كاملة (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
سعيد بن جبير والحجاج ... القصة كاملة
الحلقة (1)
لماذا قررت أن أتناول هذا الموضوع الشائك الشيق بالكتابة والتحليل ؟
يوم الجمعة 25 مارس 2011م شاهدت في الفضائية السودانية أحد مشايخنا السودانيين في خطبة صلاة الجمعة يستشهد بالقصة المشهورة : قصة المشهد الأخير بين الحجاج بن يوسف الثقفي والعالم التابعي المشهور سعيد بن جبير وهو المشهد الذي انتهى بإعدام سعيد جبير.
لقد أثار حيرتي حقا إصرار العلماء والوعاظ على الاكتفاء بالاستشهاد المستمر بقصة المشهد الأخير بين الحجاج وسعيد بن جبير ، وهو حقا المشهد الأخير في علاقة بين الرجلين استمرت منذ عام 75 هـ حين صار الحجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق وانتهت بتلك المحاكمة التاريخية في يوم من أيام شعبان عام 95هـ
ولست وأنا الرجل المسلم العادي في مقام المعارضة لهؤلاء العلماء ، ولكن مما شك فيه أن قصة الحجاج وسعيد بن جبير تصلح حقا نموذجا للعلاقة بين العالم الفقيه ورجل السلطة التنفيذية  الذي يجد نفسه مطالبا بالحفاظ على الأمن القومي أو أمن الدولة.
تعالوا معي نستعرض قصة الحجاج وسعيد بن جبير من بدايتها حتى نهايتها  وفقا للتسلسل الزمني للأحداث.
وقبل أن أسترسل أوضح أني مسلم عادي جدا لا يملك من أدوات البحث سوى معرفته بتقنيات العصر وإدراكه أن نعم الله تعالى علينا لا تعد ولا تحصى ، ومنها أننا نعيش في عصر المعلومات بكل ما فيه من أدوات البحث عن المعلومة .
وأستعرض أمامكم الوقائع باستخدام برنامج الموسوعة الشاملة الذي أقول في كل مرة : جزى الله خيرا من قام بتصميمه وحشوه بكل هذه الآلاف من الكتب.
تبدأ القصة بين الرجلين ( الحجاج وسعيد بن جبير) منذ عام 10 هـ قبل مولد الحجاج بثلاثين عاما باستعراض الخلفيات الأسرية لرجل ثالث لا يمكننا فهم قصة الحجاج وسعيد بن جبير إلا بعد دخوله بينهما : رجل يدعى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.
ففي سنة 9 هـ - 10هـ أسلم الأشعث بن قيس الكندي جد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وروي أن قيس بن معدي 80 كرب أبا الأشعث بن قيس وبناءا على بعض المصادر كان يهوديا (المناقب المزيدية في أخبار الملوك) ، وكان الأشعث ملكا في قومه كثير المال عظيم الشرف.
في خلافة أبي بكر الصديق سنة 12 هـ  ارتد الأشعث بن قيس وصار مؤذنا للمتنبية سجاح بنت الحارث التميمية ثم عاد للإسلام معتذرا فقبل أبو بكر الصديق عودته وعفا عنه و زوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة ، وقيل أن أبي بكر الصديق عند موته عام 13 هـ ندم على عدم قتله للأشعث بن قيس وقال ( ....  فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شيئاً من الشر إلا أعان عليه) (تاريخ اليعقوبي)
وخلال سنوات الفتن والحروب بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان يبرز كثيرا اسم الأشعث بن قيس بصفته من أنصار علي بن أبي طالب ، وبعد التحكيم يبرز الأشعث بن قيس كصاحب مواقف مستقلة في كثير من الأحيان من علي بن أبي طالب لدرجة الإرهاق ، ولدرجة صار فيها من المتهمين في المشاركة في مؤامرة قتل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بواسطة عبد الرحمن بن ملجم.
ففي مقاتل الطالبيين : ...... في الليلة التي أراد فيها بعلي ما أراد، والأشعث في بعض نواحي المسجد. فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم - لعنه الله - النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر: قتلته يا أعور. وخرج مبادراً إلى علي وأسرج دابته وسبقه ابن ملجم - لعنه الله - فضرب علياً. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين.(مقاتل الطالبيين)
وفي نفس العام الذي قتل فيه سيدنا علي بن أبي طالب (40هـ) العام كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي (بغية الطلب في تاريخ حلب)
من أخت أبي بكر الصديق أنجب الأشعث بن قيس ابنه محمد ، وله ابنة أخرى هي الجعدة بنت الأشعث بن قيس تزوجها الحسن بن علي بن أبي طالب ، وحين مات الحسن عام 50 هـ اتهمت الجعدة بأنها قامت بتسميمه ، وهي تهمة ليس هنا مقام تأكيدها أو نفيها حتى لا نخرج عن مسارنا.
أما محمد بن الأشعث فقد صار من المقربين في الكوفة من الوالي عبيد الله بن زياد في الفترة التي شهدت مأساة كربلاء ومقتل الحسين بن علي عام 61 هـ ، وأنجب محمد بن الأشعث ابنه عبد الرحمن وهو الذي ستدور الأيام ويصير قائد أخطر تمرد ضد الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق وسيشاركه في ذلك التمرد : سعيد بن جبير .
في أواخر عام 60هـ والحسين بن علي بن أبي طالب يتأهب للسير إلى الكوفة ناويا الخروج على الأمويين أرسل رسولا يسبقه للكوفة لأخذ البيعة من أهل العراق وكان هذا الرسول ابن عمه مسلم بن عقيل ، وفي الكوفة وبعد أن بايع الآلاف من أهل الكوفة مسلم بن عقيل على نصرة الحسين ، استطاع والي الكوفة عبيد الله بن زياد القضاء على التحرك في مهده ، وأضطر مسلم بن عقيل للبحث عن مكان يتوارى فيه في انتظار فرصة يتسلل فيها خارجا من الكوفة حتى يذهب ويوقف موكب الحسين بن علي من التقدم للعراق .
ولكن استطاع عبيد الله بن زياد والي الكوفة اعتقال مسلم بن عقيل ، وكان الفضل في ذلك يعود إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
ويقص علينا صاحب مقاتل الطالبيين المشهد الذي أدى لاعتقال مسلم بن عقيل قائلا : ( وأقبل محمد بن الأشعث فقال ( عبيد الله بن زياد): مرحباً بمن لا يتهم ولا يستغش، وأقعده إلى جنبه.
وأصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى إلى أبيه وهو جالس، فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال (محمد بن الأشعث): أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة ، وألقي القبض على مسلم بن عقيل وقتل).(مقاتل الطالبيين) ، وكانت هذه الوشاية من أهم الأسباب التي أدت إلى النكبة التي حلت بالحسين وأهل بيته في كربلاء.
هذه هي بداية ظهور عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس والذي سنعلم لاحقا دوره في النكبة التي حلت بسعيد بن جبير على يد الحجاج.
ونواصل إن شاء الله تعالى
******************